الخطأ الغير عمدي في القانون الكويتي
تعرف الجريمة بأنها كل سلوك أو فعل يتم إسناده إلي فاعله ، فهي كل فعل محظور سواء كان بصورته السلبية أو الايجابية نص عليه المشرع وأوقع له عقوبة ومن ثم إذا ارتكبه الإنسان كان مسئول عن ذلك جنائياً.
والتجريم الذي ينص عليه المشرع يهدف إلي حماية المجتمع وأفراده من المخاطر أو التهديد بالخطر ، من خلال إقرار تدبير امني أو جزاء جنائي فلا يمكن أن تقوم المسؤولية الجنائية عن أي سلوك أو فعل وان كان بصورته الايجابية وذو مظهر مادي دون أن يكون هناك نص يعاقب على هذا الفعل أو السلوك وان كان هذا السلوك ضاراً بالمجتمع أو شاذاً.
وكما أن الفعل الإجرامي أو السلوك الإجرامي يقتضي أن يكون ذو مظهر مادي ، وان يكون صادراً عن نية وإرادة حرة مخالفاً بذلك المشروعية التي شملها المشرع بالتجريم والعقاب ، وهو ما يعبر عنه بالجرائم العمدية ، فان الفعل الإجرامي أو السلوك الإجرامي قد يقع نتيجة لخطأ غير عمدي كأن تكون نية الفاعل غير متجهة إلي إحداث النتيجة الإجرامية الناشئة عن الجريمة ، وان يكون الفعل أو السلوك الإجرامي الذي أتاه قد نشأ عن إهمال أو رعونة أو عدم حيطة أو انتباه أو عدم مراعاة ما نصت عليه القوانين والأنظمة المعمول بها .
ونشير إلي أن الجريمة بشقيها العمدى أو غير العمدى قد تتداخل فيما بينها بما يعني معه تعذر الفصل فيما بينهما.
والجريمة غير العمدية هي التي لا تتجه فيها إرادة الجاني إلي إحداث النتيجة الإجرامية والتي تقع كأثر مباشر لعدم الاحتياط أو الإهمال في توجيه سلوكه الإجرامي في وجهتها الصحيحة التي تتفق مع صحيح القانون ومقتضياته.
وعلى ضوء ما تقدم نتناول الخطأ غير العمدى وصوره فيما يلي من مباحث
تعريف الخطأ غير العمدى
الخطأ غير العمدى يعد ادني الصور الخاص بالإثم الجنائي ، إذ أنها يأتي في مرتبة لاحقه على القصد الجنائي من حيث درجة جسامة الخطيئة والذنب لدي الجاني ، وكسائر التشريعات العربية جاء التشريع الكويتي خالياً من التعريف بالخطأ غير العمدى ، تاركاً ذلك لشراح القانون ورجال الفقه القانوني ، ولقد تعددت التعريفات الخاصة بالخطأ غير العمدى ، فمنها على سبيل المثال من عرفه بأنه ” السلوك الذي يقع بالمخالفة للقاعدة القانونية سواء كانت عامة أو خاصة والواجب مراعاتها وذلك تجنباً لوقوع النتائج غير المشروعة والضارة بمصالح المجتمع وحقوق أفراده ما دامت النتيجة المترتبة على هذا السلوك لم تنشأ عن قصد ” .
طالع أيضا: التراضي في اتفاق التحكيم في الكويت
عناصر الخطأ غير العمدي
إن الذي يمكن أن يستفاد من الخطأ الغير عمدي هو قيام الشخص بالتصرف تصرفاً لا يتفق والحيطة أو الحذر المطلوبين والتي تقضي به القوانين واللوائح والظروف العادية للأفراد ، باعتباره انه عيب يشوب الإنسان في مسلكه والذي لا يمكن أن يصدر عن الرجل العادي المتبصر الذي أحاطت به ظروف خارجية مماثلة للظروف التي أحاطت بالمسئول ، مما يترتب عليه وقوع نتائج ضارة نتيجة لسلوكه سواء كان ايجابي أو سلبي والذي لم يكن يتوقعه على الإطلاق ، وعلى ذلك فان الخطأ غير العمدى يقوم على توافر عنصرين نشير إليهما فيما يلي :
الإخلال بواجبات الحيطة و الحذر
إن الحياة الاجتماعية تفرض على الإنسان أن يتخذ في كل تصرفاته الحذر والحيطة ، فلا يأتي سلوكاً أو عملاً من شأن أن يفضي إلي وقوع نتيجة إجرامية لعدم مراعاته لتصرفاته وفق ما تفرضه الحيطة والحذر ، ونشير إلي أن القانون عادة ما يبين حدود السلوك أو العمل التي يتوجب على الإنسان مراعاتها حتى لا يخل بواجبات الحذر والحيطة .
المعيار الشخصي
لقد تبني جانب من الفقه المعيار الشخصي الذي يري أن الخطأ الغير عمدي يجب فيه النظر إلي الشخص ذاته والي ظروفه التي تحيط به ، وعليه إذا تبين أن الشخص في سلوكه أفضي إلي وقوع النتيجة الإجرامية وكان في مكنته تفادي وقوع تلك النتيجة عد ذلك مخطئاً ، إذ لا يمكن أن يطالب الإنسان بقدر من الحذر والحيطة بما يفوق ذكاءه أو تحمله للظروف الاجتماعية التي يمر بها أو في حدود قدرته وسنه وثقافته.
المعيار الموضوعي
ويري جانب آخر من الفقه أن وقوع الخطأ غير العمدى يعتمد في وجوده على المعيار الموضوعي الذي يقوم على المقارنة بين ما يمكن اعتباره صادراً عن الشخص بطريق الخطأ وبين ما كان من الممكن أن يصدر عن غيره من متوسطي الحيطة والحذر بحيث يكون في مقدرته عدم الوقوع في الخطأ .
العلاقة النفسية بين الإرادة و النتيجة
إن القول بوقوع الخطأ الغير عمدي لا يكفي فيه مجرد إخلال الإنسان بما توجبه مقتضيات الحيطة والحذر لقيام المسؤولية الجنائية ، بل يلزم فوق هذا كله أن تكون النتيجة المترتبة على هذا الخطأ بينها وبين فعله علاقة سببية ، ومؤدي ذلك انه يلزم أن تكون هناك ثلاثة عناصر الإرادة الخاصة بالجاني ، والنتيجة الإجرامية المترتبة على فعله ، والعلاقة السببية الناشئة بين إرادة وتحقق النتيجة ، بحيث يكون فعل الجاني الخطأ هو السبب في إحداث النتيجة كاتصال السبب بالمسبب ، ومن ثم لا يمكن أن يتصور قانوناً وقوع الخطأ الغير عمدي في ظل انعدام الرابطة السببية .
صور الخطا غير العمدي
للخطأ غير العمدى صوراً أوردها المشرع في نصوص قانون العقوبات ، تلك الصور التي نص عليها جاءت لتستوعب الخطأ الذي يمكن حدوثه في حياتنا اليومية بحيث اذا تحققت أي صورة من هذه الصور كانت المسؤولية الجنائية الناشئة عن وقوع الجريمة غير العمدية قائمة وتتمثل هذه الصور فيما يلي :
الإهمال و عدم الانتباه
في هذه الصورة ينصرف الخطأ غير العمدى في معني الإهمال الذي يقع من خلال سلوك سلبي نتيجة لقيام الشخص بترك إتيان واجب مفروض عليه بمقتضي القانون أو الامتناع عنه وكأن من شأن ذلك وقوع النتيجة الضارة ، كالأم التي تترك رضيعها يحبو بلا رعاية منها فيتناول مادة سامة أو يسقط من أعلى ، أو قيام عامل بالإهمال في وضع سلك عازل للكهرباء في موقع العمل على الرغم من صدور تعليمات كتابية له بذلك مما يؤدي إلي وفاة شخصاً آخر صعقاً بالكهرباء.
الرعونة
إن المقصود بالرعونة هي إنقاص المهارة في سلوك الإنسان المهني ، فهذه الصورة تنصرف في الغالب إلي الخطأ الذي يقع من المهنيين وذلك بالمخالفة للأصول الفنية والقواعد الواجبة الإتباع في قيامهم بأعمال مهنتهم ، كالمقاول الذي يكون مسؤولاً عن هدم بناء ولا يتخذ ما يلزم من احتياطات فنية لازمة للحفاظ على سلامة الناس فيسقط بعض منهم موتي جراء ذلك ، أو كالطبيب الذي يجري جراحة لمريض لديه ثم يترك في بطنه أي من أدوات الجراحة مما ينتج عنه وفاته أو مضاعفة آلامه.
عدم الاحتياط
إن هذه الصورة على عكس صورة الخطأ بالإهمال إذ يقع فيه الخطأ في إطار سلوك ايجابي يأتيه الجاني وذلك بالمخالفة لما تفرضه عليه قواعد الخبرة العامة في السلوك والذي تقع نتيجته الضارة بناء عليه ، كمن يدخن سيجارة من شرفة منزله ثم يلقي بها مشتعلة على سيارة محملة بالوقود أو أي مواد قابلة للاشتعال موجودة في الشارع فتتسبب في نشوب النيران فيها ، أو من يقود سيارة في مكان مزدحم بالناس بسرعة تزيد عن الحد المسموح به في هذه المنطقة وما تقتضيه الظروف والملابسات حتى وان كانت سرعته لم تتجاوز السرعة المقررة قانوناً فيتسبب في إصابة البعض من المارة .
عدم مراعاة الأنظمة
يقع الخطأ في هذه الصورة في مخالفة القواعد القانونية والأنظمة المعمول بها فيما يتعلق بالنمط السلوكي الواجب والمحدد من قبل المشرع ذاته في بعض الحالات المعينة بموجب القواعد والنصوص أو القرارات أو اللوائح التي تضعها الأشخاص الاعتبارية وذلك بغية تنظيم سير العمل فيها.
ويعرف هذا النوع من الخطأ غير العمدى بأنه خطأ خاص بالمخالفة لما سبقه من صور الخطأ لما فيه من خروج عن القواعد العامة للنمط السلوكي الواجب إتيانه وتفرضه ضرورات العيش الاجتماعي.
أنواع الخطأ غير العمدي
لقد ميز الفقه الخطأ الغير عمدي بين أنواعه عده نشير إليها فيما يلي من نقاط:
- الخطأ المادي و الخطأ الفني
يعرف الخطأ المادي بأنه هذا الخطأ الذي ينشأ من خلال إخلال الفرد بما تفرضه عليه الالتزامات المفروضة على جميع أفراد المجتمع في شأن اتخاذ العناية اللازمة حال قيامه بفعل معين أو سلوك معين ليتجنب بذلك النتيجة التي قد يؤدي إليها هذا السلوك ، أم الخطأ الفني فيتمثل في وقوع الخطأ من قبل شخص ذو خبرة فنية أو صاحب مهنة من المهن بالمخالفة لما تفرضه عليه أصول المهنة أو الحرفة.
- الخطأ الجسيم و الخطأ اليسير
ينقسم الخطأ إلي خطأ جسيم وخطأ يسير ، فالخطأ الجسيم هو ما يمكن للإنسان أن يتوقعه ومع ذلك يقدم عليه ، أما الخطأ البسيط أو اليسير هو الذي كان في إمكانية الشخص العادي توقعه
- الخطأ الجنائي و الخطأ المدني
الخطأ الجنائي هو الخطأ التي تنشأ عنه المسؤولية الجنائية التي تستوجب توقيع العقابي الجنائي على الفاعل ، أم الخطأ المدني فهو الخطأ التي تترتب عليه المسؤولية المدنية القائمة على توافر عناصر الخطأ والضرر والعلاقة السببية وتكون العقوبة فيه هي التعويض.
إن جوهر الخطأ الجنائي وفقاً لما سبق الإشارة إليه هو عدم مراعاة الجاني في سلوكه القدر اللازم من الحيطة والحذر الذي تفرضه الظروف الحياتيه العادية على الرجل العادي المتبصر في مثل هذه الظروف ، ومن ثم فان الخطأ الغير عمدي يكون منتفياً كلما ثبت انه قد تذرع في مسلكه باعتبارات الحذر والحيطة المطالب بهما الرجل العادي في مثل هذه الظروف لأنه بذلك يكون المتهم قد دحض الأساس الذي يشيد عليه مفهوم الخطأ الجنائي العام.
إذ لا يسأل المتهم جنائياً عن الواقعة والتي تعد من قبيل القضاء والقدر ، واعتبارات الحيطة والحذر النافية لمعني الخطأ الجنائي معيارها النظر إلي ما كان يمكن للشخص أن يسلكه إذا كان في ظروف المتهم.
ونشير إلي أن نفي الخطأ الجنائي نتيجة لالتزام المتهم لاعتبارات الحيطة والحذر في مسلكه يقف أثره عند حد الخطأ الجنائي العام ، والذي ترد صوره في الرعونة والإهمال وعدم الاحتراز على ما نحو ما بينا فالحيطة والحذر تنفي معني الخطأ في أي صورة من الصور المشار إليها لان كل منها يقوم على نقيض الحيطة والحذر.
طالع أيضا: محامي ابتزاز في الكويت