التراضي في اتفاق التحكيم في الكويت
يعتبر اللجوء إلي التحكيم احدي الوسائل والطرق الفعالة في حل المنازعات التي تنشأ بين الأفراد من الطرق القديمة التي عرفتها المجتمعات البشرية في بدء التكوين ، وكان التحكيم هو الأداة الحاسمة لحل ما يثور بين الأفراد من نزاعات وكان يتم التحكيم من خلال مجموعة من التقاليد والأعراف التي توارثتها الأجيال.
ويعرف التحكيم بأنه هذا الاتفاق الذي يتم إبرامه بين طرفين أو أكثر والذي يتضمن اللجوء إلي التحكيم للفصل في أي نزاع أو منازعة قد تنشأ فيما بين الأطراف دون أحقية أي من الأطراف اللجوء إلي المحاكم القضائية المختصة.
ونشير إلي أن التحكيم لم يكن على النحو المتعارف عليه في وقتنا المعاصر بل أن تنظيمه في تشريعات مستقلة جاء نتيجة لمساعي دولية كبرى جرى خلالها عقد الكثير من المؤتمرات الدولية وتوقيع العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية لتنظيم التحكيم في نطاق القانون الدولي العام وفي نطاق التشريعات المحلية .
فالتحكيم وما له من خصائص و مميزات جوهرية جعلت منه نظاماً لازماً وضرورياً للحفاظ على الاقتصادي الوطني ، خاصة في ظل تبني الدول سياسة الانفتاح الاقتصادي الذي يقوم على جلب الاستثمارات الأجنبية ورؤوس الأموال الأجنبية التي تسهم وتساعد في تنمية الاقتصاد الوطني ، فالتحكيم بات الوسيلة القضائية الناجحة للتشجيع على الاستثمار الأجنبي داخل الدول خاصة في ظل نشوء منازعات بشأن تلك الاستثمارات ، إذ أن الإبقاء على حق اللجوء إلي القضاء العادي من شأنه أن يضر بالمستثمر الأجنبي ويجعله متخوفاً من محاباة قضاة الدولة لمصلحتها ، لذا وجد التحكيم ليكون بمثابة طمأنه للمستثمر الأجنبي لما يتميز به من سرعة في انجاز الفصل في المنازعات وإتباع قواعد قانونية ثابتة مستقلة عن طرفي المنازعة والمحكمين وفقاً للاتجاهات الدولية الحديثة.
وتجدر الإشارة إلي أن لجوء الأفراد إلي التحكيم لا يعنى إبعادهم عن الحماية القانونية المقررة ، إذ يبقي لهم الحق في اللجوء إلي القضاء باعتبار أن هذا الحق من الحقوق العامة في كل دول العالم ، إلا أن التحكيم يمنح للمحكم سلطة الفصل في النزاع بدلاً عن المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع.
التراضي في اتفاق التحكيم
تعريف الرضا
إن الرضا في العقود بصفة عامة هو التوافق الحاصل بين إرادتي كل من أطراف العقد والذي يتوافقوا فيه على إحداث اثر قانوني ما والذي يكون بمثابة محلاً للعقد ، ويتحقق الرضا في العقود بصفة عامة من خلال قيام كلا من العاقدين بتبادل التعبير عن إرادتهما وذلك بصورة متطابقة من خلال صدور الإيجاب من احدهما والذي يتضمن عرضاً ما وموجه إلي المتعاقد الآخر والذي يصدر عنه قبول مطابق لإيجاب المتعاقد الأول ، ومن ثم فان القبول يكون مقترناً بالإيجاب ويتم التراضي ومن ثم يتحقق العقد ، ولما كان التحكيم عقداً من العقود المعروفة فانه يجب أن لا يكون مشوباً بأي عيب يناهض هذه الرضائية .
وتجدر بنا الإشارة إلي أن الرضائية المطلوبة في اتفاق التحكيم تتشابه إلي حد كبير إلي الرضائية المتطلب توافرها في التصرفات القانونية إذ أن الرضا بشكل عام هو الأساس الذي تقوم عليه التصرفات القانونية بصورة عامة ، إذ انه يشترط لصحة التصرف أن يكون هذا التصرف صادراً من قبل المتعاقد بإرادته الحرة دون أن يكون هناك إكراه أو جبر أو وجود قيداً من القيود.
التراضي ركن من أركان اتفاق التحكيم
لما كان الاتفاق على اللجوء إلي التحكيم يأتي في صورة تعاقديه فانه يقتضى أن يتوافر فيه ما يجب أن يتوافر في العقود من شروط وأولي هذه الشروط هو رضا طرفي المنازعة على اللجوء إلي التحكيم بحيث تنصرف إرادتهم إلي تحقيق النتيجة التي يهدفون إلي تحقيقها وهو الفصل في المنازعة بصورة أسرع مما عليه في الإجراءات القضائية العادية ، ويترتب على عدم توافر شرط الرضا بطلان الاتفاق.
طالع أيضا: محامي ابتزاز في الكويت
كيفية التراضي في التحكيم
يتم التراضي في اتفاق التحكيم من خلال تلاقي إرادة كل من العاقدين والذي يتوافقا على إخضاع أي نزاع قد ينشأ مستقبلاً بسبب علاقة قانونية فيما بينهما للتحكيم وذلك من خلال ما تم الاتفاق عليه من شروط ، وتجدر بنا الإشارة أن التراضي على اللجوء إلي التحكيم أمر غير مفترض بل لابد أن يكون هناك ما يؤكد اتجاه نية العاقدين إلي ذلك ، كما تجدر بنا الإشارة إلي أن التراضي مثلما يصدر عن الشخص الطبيعي يصدر كذلك عن الشخص الاعتباري شريطة أن تتوافر في كل منهما شروط الأهلية والأهلية المقصودة في هذا المقام هي أهلية الأداء والوجوب ، وكما يقع التحكيم بين أفراد طبيعيين يقع كذلك بين أفراد والمؤسسات الحكومية أو الهيئات الاعتبارية ويخضع اتفاق التحكيم في هذه الحالة إلي قانون الإرادة وذلك للتعرف على مدي توافر الرضائية في الاتفاق وخلوه من أي عيب من شأن أن يؤثر في التراضي.
ونشير إلي أن الاتفاق والتراضي على اللجوء إلي التحكيم لم يكن على إطلاقه بل أن الأمر يتوقف على حد ما هو جائز قانوناً الصلح فيه ، إذ لا يمكن أن يتم اللجوء إلي التحكيم في المسائل التي لا يمكن أن يكون فيها صلحاً ، ومن هذه المسائل الخاصة بالنظام العام والشخصية ، أما فيما يتعلق بالمسائل المالية فانه يجوز الصلح فيها .
الالتزام باتفاق التحكيم
إن طرفي الاتفاق التحكيمي يبقيان ملتزمان بتنفيذ هذا الاتفاق ، ونشير إلي أن الاتفاق على اللجوء إلي التحكيم يقتضى سريانه في مواجهة العاقدين وخلفهما سواء عام أو خاص ، ونشير إلي انه ليس من اللازم تعيين أشخاص المحكمين في اتفاق التحكيم بل يكفي ذكر عددهم وطريقة اختيارهم وكيفية ردهم وتطبيقهم للقانون على وقائع المنازعة ، وبيان موضوع النزاع الذي يخضع لاتفاق التحكيم ، وتجدر الإشارة إلي انه غالباً ما تجري الإحالة إلي لوائحه الهيئة التحكيمية أو مركز التحكيم إذا لم يكن هناك ما يتناول هذا الأمر.
الإيجاب والقبول في ركن الرضا
أن الرضا في اتفاق التحكيم لا يتحقق إلا من خلال التطابق الحاصل بين العاقدين سواء كان إيجاباً أو قبولاً على إحالة أي من المنازعات التي قد تنشأ بين العاقدين إلي التحكيم ويجب أن يكون الاتفاق على ذلك معبراً عن تلك الإرادة وتطابقها بصورة صريحة وصحيحة دون أن يكون فيها عيب من العيوب.
ونشير إلي انه من اللازم والضروري أن يجري تبادل التعبير عن إرادتي العاقدين من خلال توجيه كل منهما للأخر تعبيراً عما اتجهت إليه إرادته وهو ما يمكنا تسميته ” بالإرادة العليا المشتركة ” والتي تقوم على تحقيق التراضي بين العاقدين باعتبار أن الرضا من المسائل الضرورية والهامة في العقود بصفة عامة وفي اتفاق التحكيم بصفة خاصة.
التعبير عن الإرادة والرضا
أن التعبير عن الإرادة في ركن الرضا باعتبارها ركناً من أركان العقد يكون دائماً بشكل صريح من خلال التلفظ أو الإشارة أو الكتابة المعروفة والمتعارف عليها عرفاً بحيث يكون التعبير عن الإرادة بمكان لا يدع أي مجال للشك في أن هناك أكراه أو عيب من عيوب الإرادة ، وكما يمكن التعبير عن الإرادة في ركن الرضا صراحة فانه يمكن التعبير عن الإرادة بشكل ضمني وذلك من خلال قيام العاقدين بإدراج شرط اللجوء إلي التحكيم في المعاملات التي بينهما وذلك بصورة مضطردة بحيث يكون إغفالهم ذكر هذا الشرط من قبيل النسيان لا انصراف النية إلي عدم اللجوء إلي التحكيم ، فإذا ما تم إبرام عقد بين شركتين تجاريتين وكانت بينهما علاقة قانونية مستمرة ومضطردة وكان العقد من العقود السابقة والتي أدرج بها شرط التحكيم وكانت الشركتين قامتا بإبرام ذات العقد أو قامت بتجديد العقد دون أن يتضمن هذا العقد أي شرط للتحكيم فان الاتفاق في هذه الحالة يكون اتفاقاً ضمنياً.
اتفاق التحكيم الضمني
ان وجود اتفاق تحكيم بصورة ضمني يمكن القول به في حال اذا كانت العلاقة بين طرفي الاتفاق متواترة وكانت العلاقة فيما بينهما قائمة في مجال التجارة وقد استقر العمل فيما بينهما على فض أي منازعة تثور بشأن هذه العلاقات المتواترة عن طريق التحكيم .
وعلى ذلك فان اتفاق التحكيم باعتباره عقداً من العقود والتي تقوم في أساسها على توافر الإرادة يقتضي بطلان الاتفاق إذا كانت الإرادة منتفية ، أو كان هناك عيب من عيوب الإرادة ، إذ لا ينتج اتفاق التحكيم أثاره إلا إذا كان هناك رضا بين العاقدين على اللجوء إليه ، وكانت إرادتهما اتجهت إليه بصورة حرة وان يكون التعبير عن تلك الإرادة صريحاً.
أخيراً , التحكيم يعتبر عقد يخضع لمجموعة من الاتفاقيات كغيره من العقود فهو احدي صور التصرفات القانونية لذلك لا بد من توافر الأركان الأساسية التي تلزم التصرف القانوني فلابد من توافر أطراف العقد وموضوع العقد ونتائج مترتبة على هذا الموضوع حتى وان كانت تختلف عما اعتدنا عليه من آثار للتصرفات القانونية الأخرى الموجودة في أنظمة القانون الخاص.
فيمكن تعريف التحكيم بأنه هو انصراف إدارة المتعاقدان نحو حل المنازعات الناشئة عن تطبيق العقود المبرمة فيما بينهما أو تفسيرها من خلال النص على اللجوء إلى التحكيم في عقد مستقل أو ملحق بالعقد الأصلي.
كما يمكن تعريفه على انه الالتزام من قبل أطراف العلاقة القانونية باللجوء إلى محكمة أو أكثر بغرض حل المنازعات الناشئة وهو ما يعرف بمشارطه التحكيم أو تلك المنازعات التي قد تنشأ في المستقبل تطبيقا للعلاقة القانونية سواء كانت تعاقدية أو غير ذلك وهو ما يعرف بشرط التحكيم.
لما كان اتفاق التحكيم هو احدي صور التصرفات ويشبه إلى حد كبير التصرفات المترتبة على العلاقة التعاقدية فانه يستلزم لانعقاده أيضاً توافر الرضا بين أطراف العلاقة التعاقدية بحيث تنصرف نية العاقدين إلى اللجوء إليه والنزول عن اللجوء إلى المحكمة المختصة.
ولما كان ذلك فانه لا يعتد بالإرادة المعيبة أو الناقصة فلا يجوز اتفاق الصبي على التحكيم ولا الشخص الفاقد للأهلية ونعنى هنا الأهلية الخاصة بالتصرف لا الأهلية الخاصة بالتقاضي.
طالع أيضا: حق الدفاع الشرعي في الكويت